في روض الزيتون / شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم

 في روض الزيتون:

بقلم الكاتبة فدوى المصباحي

حديث شجون وأدب وفنون ، ذلك الذي يخص الشاعر  محمد بن إبراهيم المراكشي، أحد الأعلام النجباء والمبدع الاستثنائي من أهل الفصاحة والبيان،  شاعر الحمرا كما سمى نفسه في قصيدة  ألقاها أمام الملك عبد العزيز آل سعود قائلا: 

من المغرب الأقصى أتتك تحية   يبلغها عن أهله شاعر الحمرا.

شاعر مكثر متفرد ألمعي، بلغت به العبقرية والموهبة الشعرية أن أتقن صنعة السجع، ولزوم ما لا يلزم على غرار أبي العلاء المعري . ارتجل الشعر  وبرع في أغراض الهجاء والمدح حتى إنه هجا الباشا الكلاوي بعدما مدحه، فكان بذلك مثل المتنبي الذي لم يتوان في إطراء كافور الإخشيدي ثم ذمه وتعديد معايبه في قصيدته الشهيرة :عيد بأية حال عدت يا عيد.

وبهذا  كان ذلك الناقد اللاذع الصداع حينا، ثم ذاك الهين اللين العذب الكلام أحيانا.

 ومن نافلة القول إن شعره لا يخلو من التنذر والتفكه وخفة الدم على شاكلة المراكشيين، فهم صناع البهجة و أهل الانشراح والحبور، فتجده تارة ينظم قصيدة عن الفأر، صديقه الذي ألفه واستأنس به لكنه هجره لفقره، يقول:

نلت عطفي وحناني   ثم فارقت مكاني

يا ترى هل تهت عني   أم نهاك الأبوان

وتارة أخرى يسافر إلى طنجة فيجد في أهلها لطفا وكرما لكن قدماه التعيستان تقودانه إلى المطعم البلدي العجيب، فينقلب شاكيا باكيا متدمرا وينظم في طريق عودته رائعته الفكاهية:

إن كانَ في كلِّ أرضٍ ما تُشَانُ به   فإنَّ طنجةَ فيهَا المطعَمُ البلَدِي

أخلاقُ أربابِها كالمِسك في أرَج      بِعكسِ أخلاَقِ ربِّ المَطعَم البلَدِي

وجذير بالذكر أن أشعاره على وفرتها كان يكتبها في قصاصات متناثرة، يحفظ شعره تلامذته ومحبوه، ويحتفظون ببعض وريقاته لما تضمنته من جزالة وفخامة، إذ لم يكن ديوانه ليرى النور لولا كوكب الشرق أم كلثوم إبان زيارتها للمغرب عام 1968 ، حيث رافقها أحد مثقفي مراكش ونابغة الأدب والشعر الفقيه محمد بنبين و أتحفها بشعر ابن ابراهيم.  ولما راقها ما فيه من حلاوة وطلاوة، وحسن البيان وذلاقة اللسان، طلبت الديوان فأخبرها الفقيه أنه موجود في جعبته. أم كلثوم صاحبة الموهبة الخارقة والتي تتمتع بذائقة أدبية راقية، ذكرت ذلك للملك الحسن الثاني  فاتخذ إثر ذلك الفقيه بنبين مؤنسا له و أمر بجمع القصائد وطبع الديوان الموسوم ب " روض الزيتون" .